مع جدتي

حكايات مع الجدة

كان لمنصور حكايات خاصة جدا مع جدته رحمها الله فلقد كان الأثير لديها فكانت تخصه بهبات لا تعطيها لغيره من أخوته وأخواته ، كانت الجدة في حين أنها تعيش معهم في نفس الشقة إلا أنها كانت تستقل بحياتها فلها معاشها الذي تنفق منه علي نفسها في استقلالية تامة ولقد كانت تشعر بأنها أصل البيت فلقد كانت الأسرة تقيم في منزل الجدة إذ تزوج أبو منصور في شقة والده ، كان عندما يحين موعد القبض يعني قبض المعاش تأخذ منصور معها وحين ترجع من القبض تعطي منصور بعض النقود وتقول له لا تخبر أحداً من أخوتك حتي لا يثوروا علي ، ووصلت هذه النفحة إلي خمسة جنيهات


كما أنه كان يأكل معها أحياناً وبهذا فلقد كان يأخذ في اليوم الواحد منابين من الفراخ أو اللحوم وهذا لم يتحصل عليه أحد غيره في المنزل كله وربما أكل الفراخ في اليوم الواحد ثلاث مرات وتلك أيضا عجيبة غريبة إذ كانت الجدة غير منتظمة في أكلها وشربها فربما رجع منصور من صلاة الفجر بعد الشروق فتشعر الجدة بالجوع وكذلك منصور فتقوم الجدة بتسخين الدجاج المسلوق فيأكلا سويا دجاج وشربة في وقت الإفطار لقد كان منصور ينام معها في غرفتها


ولكن ما سر تعلق الجدة بمنصور دون باقي إخوته أو والديه ، فلقد كان منصور به رقة وحنية طبيعية مع دماثة في الخلق وبراءة الطفولة ومرح أيضا ، ولقد كان هو من يقضي لها حوائجها إذا احتاجت لشئ ، حتي إذا ما مرت السنون وأخذ الوهن يدب فيها وتتأخر صحتها راح يحمل بولها ليلقيه في الحمام وكانت تدعوا له أحر الدعاء ولعل هذا ما أبقي منصور داخل دائرة من الحفظ والرعاية الإلهية مع الاحداث الجسام التي تعرض لها ونجاه الله منها مما سيأتي معنا بعد ذلك


ولقد كنا هذا التعلق ليس خاصا بالجدة بل هذه المرحلة العمرية كانت تجد في منصور الصبي الطيب التي ترغب في مرافقته في هدوء واسترخاء الشيخوخة ، فلقد كان منصور علي نفس العلاقة مع الحاج اليمني وهو رجل عجوز في مثل سن جدته أو أكبر وقيل إن أصله من اليمن ولقد أتي جيبون من قديم الزمان وقيل إنه أتي جيبون سيرا علي الاقدام


فلقد كان حين يمر الحاج اليمني به وهويلعب بالشارع يذهب معه منصور ليوصله إلي المسجد وكان يدخل معه ويساعده حتي يتوضأ وكان يجلس يصلي معه ويوصله بعد ذلك إلي منزله ثم يعاود اللعب مرة أخري ، وبعدما تُوفي الحاج اليمني أرتبط منصور برجل آخر كبير في السن أسمر البشرة من السودان عاش معه تلك الصحبة التي عاشها مع الحاج اليمني إلا أنه كان لا يوصل هذا الرجل إلي المسجد بل كانا يتقابلان في المسجد وكان هذا الرجل يعمل شئ غريب جدا علي منصور، كان يكتب أحاديث علي ورق وينسخها بالكربون وكان يفرقها في المسجد وكان يعطي لمنصور نسخة من هذه الأحاديث الشريفة التي كانت تدور حول الاخلاق وثمرتها والآداب وحدودها وفضائل الاعمال وبركتها وثوابها وكان منصور يحتفظ بتلك الأوراق المباركة التي تحوي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، كما تحوي روح البذل والحب من الرجل السوداني للنبي صلي الله عليه وسلم وللدين والشريعة والإسلام وحبه للبشر والإنسانية ، كما تحمل إبداعه الذي لم يقف عاجزا تجاه فقره في نصرة ما يحب من كلام خير البرية ودينه وشريعته وبث فضائل الاعمال والاخلاق


لقد كانت تلك العلاقات الطيبة التي بناها منصور في مقتبل حياته لا لم يبنها هو بل بناها الله له لكي يدربه وينشأه علي مفاهيم حب البشرية وحب الدين وحب البذل والتضحية في سبيل ما يحب ما أجملها تلك الأيام والسنين لقد كانت مليئة بالمرح ومن خلال المرح كانت تخط الخطوط الأولية للحلم ، حلم ينمو ببطأ و ينضج علي مهل ،

0 Response to "مع جدتي"

إرسال تعليق