منصور في الأدغال

من الايام التي يتذكرها منصور جيدا ولا ينساها مع مرور الزمن هي رحلاته هو والقرود قصدي اصدقائه في الصيد
وربما تسأل أي صيد في هذا السن أقول لك لقد كانوا يذهبون إلي مواطن النخيل يقذفونها بالحجارة حتي متي تساقط البلح جمعوه وقسموه وأكلوه 
وليس البلح هو فقط ما كانوا يجمعونه ويأكلونه بل كانوا أحيانا يجمعون الكمبوزة ويأكلوها 
ولقد حدث مرة منصور مع أحد أقربائه - وهو من جنس القرود أيضاً- أن ذهبا إلي صيد العصافير ببندقية رش قبيل الغروب هذا يوم لا ينسي ولقد كانوا يطلقون علي العصافير فإذا ما وقعت قال له صديقه أخلع رأسها  وكانا ينتقلان من مكان إلي مكان وفي مرة كانا بجوار محطة للقطار وخرج رجل عليهم موظف  بالمحطة وطاردهم  ففروا جريا وتسلقوا كالقرود ولكن منصور تعلق في منطقة عالية لا هو هرب مثلهم ولا هو وقع في قبضة الرجل المطارد لهم  ومن أسفلها كان ينادي عليه أصحابه أن أقفز أقفز
وقفز منصور فوقع أرضاً ومشوا جميعا وكان طعم العصافير رائعا أجمل من الحمام  إذ كان هذا يمثل صيدهم  وعمل أيديهم وكانت تغمرهم المشاعر الرائعة إذ كانوا يشعرون بالانطلاق مع قليل من قلق المغامرات

مع القرود

مع القرود

تربي منصور في منطقة حيث لم يكن يتعامل مع أطفال بل قرود فلقد كان بالناصية الثانية لشارع الجمال بالقرب منها مساكن 5 أدوار وكان لمنصور كثير من الأصدقاء من المساكن وكانوا يطلعون علي أسطح تلك العمارات ويلعبون الكرة وألعاب أخري وكان منهم من يمشي علي السور علي ارتفاع 5 أدوار وعرض السور 15 سنتيمتر فقط وكان كثيرا ما يضج سكان الدور الخامس بمن يدب فوقهم جريا ولعبا فيهرلون إلي السطح وبيديهم المقشات الطويلة وكان الهرب في تلك الحالة يحدث علي شكل مناورات رهيبة فمنهم من كان يتدلي بجسمه ليقف علي عتبة يقفز منها إلي مدخل السطح بعد مرور الغازي بمقشته ومنهم من كان يرتفع ليختفي أعلي غرفة مبنية فوق السطح ومنهم من كان يستخبي وراء غرفة وسط السطح حتي يمر الرجل بالمقشة ثم يفر هاربا من باب السطح


ومن الالعاب المشهورة التي كانوا يمارسونها فوق هذه الاسطح هي تطير الطيارات الورقية


وأحيانا لم يكن الصعود إلي هذه الاسطح للعب فقط بل كان ساعات ما يصاحبه أكل وشرب وتقضية كثير من الوقت


ومن المقالب التي كانت كثيرا ما تحدث كان يقف منصور بجوار أحد أصدقائه ويشير علي غلام في العمارة المقابلة ويقول هو اسمه فلان ويكون هذا اسم رجل أو شاب آخر يقف أسفل العمارة ويقول لمن بجواره قل ياحمار يافلان مثلا ولكن انظر إلي الاسفل حتي لا يعرف انك أنت القائل فيفعل صاحبنا فيجد من بالاسفل ينظر إليه وقد عرفه ويتوعده ويتهدده ويقع منصور من الضحك علي صاحبه الذي دب فيه الذعر من الموقف


وكان أحيانا يذهب الجميع في رحلة عبر القطار إلي أين مش مهم المهم الذهاب خارج المدينة مرة لصيد السمك ومرة لأغراض أخري ، يتجولون في مدينة أخري غير عابئين لصغر سنهم ولا لقلة معرفتهم وخبرتهم بالأماكن التي يذهبون إليها


وأحيانا يذهبون إلي السينما ويدخلون أفلام طاخ طيخ وعندما يخرجون من السينما تعاني الشوراع من تمثيلهم لتلك الأفلام عقب رؤيتها إذ تُدار الحروب في الشوارع بعد الفيلم وياسلام بقي لو قامت خناقة بعد الفيلم مع أحد عينك ما تشوف إلا النور

في المدرسة

في المدرسة


كانت مدرسة منصور الابتدائية بجوار منزله في شارع الجمال وكان منصور حين يستيقظ يغسل وجهه ويرتدي ملابسه ويخرج فإذا وجد الوقت مبكرا دخل ثانية ونام بملابسه ولا يستيقظ إلا علي جرس المدرسة فيقوم مسرعا فلا يفوته شئ ، وكان منصور يحب مادة الرياضيات ولا يدري متي أحس بتلك العلاقة التي تربطه بها وهل أحبها فجأة وما قصة هذا الحب لا يدري كل الذي يذكره هو حبه للرياضيات


وكان يحب منصور الجلوس في المقاعد الخلفية وظلت هذه عادة ملازمة له في معظم مراحل تعليمه ، وفي السنة النهائية للمرحلة الابتدائية كان يجلس قبيل الأخير وعلي يمينه آخر الفصل رصت صفة من الراسبين وكان أستاذ الحساب وكان يسمي الاستاذ عبد السيد يسأل التلاميذ بالدور ومن لا يستطيع الإجابة طالته النشابة قصدي العصاية وكان من بجوار منصور يسألون منصور عن الإجابة وكان لدي منصور حس الدعابة وبعض الشقاوة فكان يعطيهم إجابات خيالية حتي إذا ما وصل إليه الدور أجاب بالإجابة الصحيحة فيجلس هو كاتما ضحكاته والعصاية تدور علي الباقيين بالقسط والعدل


وكان منصور يشترك في الكانتين الخاص بالمدرسة وهي عبارة عن أن يدفع جزء من مصروفه يستثمر في شراء البسكوت والحلويات التي تباع في المدرسة وتوزع نهاية العام الأرباح علي المشتركين في الكانتين وكان من وظائف المشتركين في الكانتين هي الخروج من المدرسة لشراء هذه الحلويات وفي يوم من الأيام لاقي أبو منصور الحاج محمود الجيبوني منصور أمامه خارج المدرسة في وقت الدراسة فقال له ماذا تعمل خارج المدرسة فقال له أنه خرج لشراء الحلويات بأذن من المدرسة فاصطحبه وذهب معه للمدرسة يستكشف الموضوع فأثني المدرسين علي منصور خيرا مما أثلج صدر والد منصور


وكان منصور يكره الجغرافيا كره العمي وكان يُدرسها أيضا استاذ عبد السيد ولكن استاذ عبد السيد يعلم شطارة منصور في الحساب والذي منه فخفف هذا من وقع الجغرافيا عليه


وفي حصص الالعاب كان يذهب منصور إلي المدرسة دون ملابس الألعاب وفي حصة الألعاب ينظر من ثقب بالباب وينادي علي أحد ينادي علي والدته لتحضر له لبس الالعاب وكان يحدث هذا أيضا في الفسحة والسندوتشات كانت تأتيه في الفسحة عبر البوابة ، وكان للمدرسة بابين باب للتلاميذ وهذا بجوار بيته تماما وباب للإدارة وهذا بالشارع الخلفي من المدرسة


وكان منصور لا يعترض علي السندوتشات خاصة حين تأتي في عيش بلدي ، أما أخوه فكان دائما ما يعترض ويرفض رفضا باتا أن تأتيه سندوتشات في غير العيش الفينو ، وكان يقول لإمه لا آكل في عيش بلدي أمام الأبله – الاستاذه يعني –

ألفين مبروك

ألفين مبروك


كان هناك فرح لأحد شباب الحتة وكانت هناك مشكلة بين الست أم منصور والست أم العريس وبينهما قطيعة وفي الفرح كان هناك أصحاب العريس من بلد أخري وأخذوا يغنوا للعريس ويزفوه بطريقة جديدة لم تكن من عادات أهل بلدة منصور فوقف منصور يتفرج علي تلك الزفة العجيبة وبينما هو يتفرج مع الأطفال مثله وجد أم العريس أمامه استحي منها أن يقف في فرح إبنها يتفرج وينبسط وبينها وبين أمه قطيعة وخناقة فقال لها علي الفور ألف مبروك وبهذا تخلص من تلك الأزمة ووضع نفسه علي الحياد في تلك القضية الشائكة ضحكت أم العريس وقالت له عقبالك ياحبيبي وسررت جداً من فعله ، تدور الأيام وتنقضي الليالي وتتصالح الأمان أم العريس وأم منصور فتقول أم العريس لأم منصور في فرح إبني جائني منصور وبارك لي وماجتش منك وظلت تفتخر بهذا وتجعله سبة لأم منصور وعيب في حقها أما منصور فلقد بات الأسير والمفضل لدي الست أم العريس بسبب ألفين مبروك التي جاءت في وقتها

مع جدتي

حكايات مع الجدة

كان لمنصور حكايات خاصة جدا مع جدته رحمها الله فلقد كان الأثير لديها فكانت تخصه بهبات لا تعطيها لغيره من أخوته وأخواته ، كانت الجدة في حين أنها تعيش معهم في نفس الشقة إلا أنها كانت تستقل بحياتها فلها معاشها الذي تنفق منه علي نفسها في استقلالية تامة ولقد كانت تشعر بأنها أصل البيت فلقد كانت الأسرة تقيم في منزل الجدة إذ تزوج أبو منصور في شقة والده ، كان عندما يحين موعد القبض يعني قبض المعاش تأخذ منصور معها وحين ترجع من القبض تعطي منصور بعض النقود وتقول له لا تخبر أحداً من أخوتك حتي لا يثوروا علي ، ووصلت هذه النفحة إلي خمسة جنيهات


كما أنه كان يأكل معها أحياناً وبهذا فلقد كان يأخذ في اليوم الواحد منابين من الفراخ أو اللحوم وهذا لم يتحصل عليه أحد غيره في المنزل كله وربما أكل الفراخ في اليوم الواحد ثلاث مرات وتلك أيضا عجيبة غريبة إذ كانت الجدة غير منتظمة في أكلها وشربها فربما رجع منصور من صلاة الفجر بعد الشروق فتشعر الجدة بالجوع وكذلك منصور فتقوم الجدة بتسخين الدجاج المسلوق فيأكلا سويا دجاج وشربة في وقت الإفطار لقد كان منصور ينام معها في غرفتها


ولكن ما سر تعلق الجدة بمنصور دون باقي إخوته أو والديه ، فلقد كان منصور به رقة وحنية طبيعية مع دماثة في الخلق وبراءة الطفولة ومرح أيضا ، ولقد كان هو من يقضي لها حوائجها إذا احتاجت لشئ ، حتي إذا ما مرت السنون وأخذ الوهن يدب فيها وتتأخر صحتها راح يحمل بولها ليلقيه في الحمام وكانت تدعوا له أحر الدعاء ولعل هذا ما أبقي منصور داخل دائرة من الحفظ والرعاية الإلهية مع الاحداث الجسام التي تعرض لها ونجاه الله منها مما سيأتي معنا بعد ذلك


ولقد كنا هذا التعلق ليس خاصا بالجدة بل هذه المرحلة العمرية كانت تجد في منصور الصبي الطيب التي ترغب في مرافقته في هدوء واسترخاء الشيخوخة ، فلقد كان منصور علي نفس العلاقة مع الحاج اليمني وهو رجل عجوز في مثل سن جدته أو أكبر وقيل إن أصله من اليمن ولقد أتي جيبون من قديم الزمان وقيل إنه أتي جيبون سيرا علي الاقدام


فلقد كان حين يمر الحاج اليمني به وهويلعب بالشارع يذهب معه منصور ليوصله إلي المسجد وكان يدخل معه ويساعده حتي يتوضأ وكان يجلس يصلي معه ويوصله بعد ذلك إلي منزله ثم يعاود اللعب مرة أخري ، وبعدما تُوفي الحاج اليمني أرتبط منصور برجل آخر كبير في السن أسمر البشرة من السودان عاش معه تلك الصحبة التي عاشها مع الحاج اليمني إلا أنه كان لا يوصل هذا الرجل إلي المسجد بل كانا يتقابلان في المسجد وكان هذا الرجل يعمل شئ غريب جدا علي منصور، كان يكتب أحاديث علي ورق وينسخها بالكربون وكان يفرقها في المسجد وكان يعطي لمنصور نسخة من هذه الأحاديث الشريفة التي كانت تدور حول الاخلاق وثمرتها والآداب وحدودها وفضائل الاعمال وبركتها وثوابها وكان منصور يحتفظ بتلك الأوراق المباركة التي تحوي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، كما تحوي روح البذل والحب من الرجل السوداني للنبي صلي الله عليه وسلم وللدين والشريعة والإسلام وحبه للبشر والإنسانية ، كما تحمل إبداعه الذي لم يقف عاجزا تجاه فقره في نصرة ما يحب من كلام خير البرية ودينه وشريعته وبث فضائل الاعمال والاخلاق


لقد كانت تلك العلاقات الطيبة التي بناها منصور في مقتبل حياته لا لم يبنها هو بل بناها الله له لكي يدربه وينشأه علي مفاهيم حب البشرية وحب الدين وحب البذل والتضحية في سبيل ما يحب ما أجملها تلك الأيام والسنين لقد كانت مليئة بالمرح ومن خلال المرح كانت تخط الخطوط الأولية للحلم ، حلم ينمو ببطأ و ينضج علي مهل ،

مغامرات عاطفية

مغامرات عاطفية

منصور حين يحكي لك عن حياته في المرحلة الاعدادية تظن أنه يحكي قصة شاب جامعي وحين يحكي حكايات ثانوي وكأنه رجل رشيد ولكن ماذا ستكون حكاياته حين يصل لمرحلة الرجولة ؟


فلقد كان يمر بالمراحل العمرية في غير سنها هل نسمي ذلك نضوج مبكر أم ماذا ؟ في الواقع لا أعرف لهذا اسم ولكنه حدث بالفعل وتلك بعض المغامرات العاطفية التي خاضها وهو في المرحلة الإعدادية وما قبلها


كانت أول قصة راسخة في ذهنه سوسو التي تحدثنا عنها من قبل وتلك كانت بنت جميلة، طبعا جميلة فكل مُحب يري في محبوبته بنت جميلة ولاشك ولقد ظن أنه كان يعجبها هو الآخر فلقد كانت تبادله تلك الإشارات التي يرسلها المحبون ويتلقونها بدأ الأمر ينتشر رويدا رويدا في زمرة الأصحاب وبعدها فترت تلك الإشارات فلم تعد هناك أي استجابات عندها قرر العنكبوت صديق منصور أن يساعده في تلك المشكلة فتدخل لصالح منصور لإعادة بث تلك الإشارات أو تقويتها كما يفعل الربيتر في حالات الإشارات الضعيفة في دنيا الشبكات بل كان أكثر من ربيتر للسيجنال بل كان محفزاً لها ، ولكن عند تدخل العنكبوت بان للبنت وجه آخر لم يكن يعلم عنه أحد فلقد بدأت تتلاعب بالأمر برمته ووصفته في استهزاء بأنه الولد الأبيض وكأنها لا تعرفه وهذا ما ضايق منصور لا قولها الولد الأبيض ولكن السياق الذي قيلت فيه تلك العبارة وترك تلك المسألة يدوايها الزمان بطريقته غير آسف علي ما حدث هكذا حكي منصور وهل فعلا تتخلي النفس في سهوله عن الحب ؟ وهل كان هذا حبا أم أنه لعب عيال ؟ أم أنه وأنت صغير تحب علي قدر قلبك الصغير فيكون حبك هو الآخر صغير علي قدر قلبك وكلما كبر قلبك كبر حبك ؟


مر الزمان بدورته المعتادة وفي يوم كانت هناك رحلة ولم يكن من ضمنها منصور ولكن كانت فيها سوسو وكان فيها أيضاً العنكبوت وبعدما رجع الجميع من الرحلة حدث العنكبوت صديقه وقال علي فكرة سوسو جميلة لم أكن أراها قبل ذلك كذلك ، أي قبل تلك الرحلة هنا تأكدت رؤية منصور لتلك السوسو علي حقيقتها وأغلقت القضية كما يحدث في جرائم القتل التي تقفل وتسجل ضد مجهول


في تلك الأثناء لم يكن منصور يعلم أن هناك إشارات ترسل من أماكن أخري من طرف واحد فقط ، إذ كان مغلقا لجهاز الاستقبال لديه وكانت هناك فتاة ترسل تلك الإشارات لمنصور ولكن منصور في خفة وطيش الطفولة السنية والمراهقة الفكرية والعاطفية تندر بتلك الإشارات وأخذ يعلنها علي سبيل الفخر وانتشر الخبر في الاجواء وباتت الحتة كلها تعرف بأمر تلك الفتاة المدلهمة في غرام الولد الأبيض
وبمرور الوقت أدرك منصور غلطته وسفاهته وحماقته وندم وأسف علي سلوكه المشين تجاه تلك الفتاة وعلم أنه بأس الجزاء الذي قدمه لتلك الفتاة التي أعلنت حقيقة مشاعرها تجاهه ولكن لات حين مندم

ولكن هل انتهت تلك المغامرات لا لم تنتهي فقد كانت هناك إشارات أخري من فتاة أخري وأدرك منصور غلطته السابقة فلم يكررها وحاط تلك الإشارات بالسرية والحيطة فلم يخبر أحد ولكن الخبر انتشر أيضا بل تطور نطور مزعج ، وماهو ذلك فلقد عرف بحكاية الإشارات هذه شاب لم يعجبه الأمر
هل لم يعجبه غيرة وحسد وحقد ؟ ربما ، وربما كان مجرد لهو وعبث حتي تنامي الخبر إلي أخوها وعندها احتدم الصراع وكأي صراع في تلك المرحلة فهي مرحلة التجارب لا مرحلة الإصابة وفيها يتمرن القلب علي الإرسال والاستقبال لهذه الإشارات الرائعة التي تسبغ علي الحياة ضوءا باهرا وقلق لذيذ

ضرب نار

ضرب نار

حكي لي منصور تلك الحكاية المفزعة بدت عليه علامات القلق والاضطراب وهي أول مرة يشاهد فيها ضرب نار حي بالمنطقة التي يسكن فيها في خناقة عابرة ، ولكن ما سر كرب منصور من تلك الحكاية ، هذا ما جعلني أسأله عن سر تغير علامات وجهه عند سردها ولقد كانت مفاجئة أنه كان عرضة لأن يُضرب هو بالنار فكيف ذلك تعالوا نستمع لقصته
قال منصور:
في يوم من الأيام وأنا واقف علي الناصية كان هناك بعيد عني بحوالي 200 متر أو أكثر قليلا خناقة بين إثنين ، أحدهما شاب في العشرينات من عمره والآخر صول في الشرطة ولقد تعالت الاصوات وفجأة هرب الشاب من الصول الذي كان ممسكاً بتلابيبه و أخذ يركض في اتجاه منصور وأصبح هذا الشاب بين منصور وبين حضرة الصول وبعد بُرهة وجيزة أشهر الصول سلاحة وهو مسدس وأخذ يلاحق الشاب وعندما أدرك منصور حقيقة الموقف وأن الصول رافع مسدسه ويطارد هذا الشاب إنتابه القلق والاضطراب وقرر الذهاب للمنزل دخل الشاب مسرعا في الحارة التي يقطن فيها منصور وبعد دخوله فيها كان علي منصور الانصراف سريعا من ساحة المعركة التي لا تؤمن عاقبتها وجري منصور بكل طاقته في حارته باتجاه منزله ولكنه فجأة انتابته قشعريرة وأخذ نفسه يتسارع ودقات قلبه أصبحت كأنها طبول حرب مزعجة وما ذلك إلا لأنه أدرك أنه أصبح الآن بين الصول وبين الشاب وربما قرر الصول إطلاق النار فتصيب منصور ولقد كان يعلم منصور كثير من الحكايات الحقيقية التي يقع فيها الناس صرعي أو جرحي في خناقات لمجرد تواجدهم في المكان الخطأ في الوقت الخطأ وخشي علي نفسه أن يقع ضحية خناقة لا ناقة له فيها ولا جمل ، وكانت هناك سيارة مركونة في وسط الشارع قرر منصور أن يختبأ خلفها حتي يمر من أمامه الصول بمسدسه ثم يجري بعد ذلك إلي منزله وبعدما أختبأ منصور خلف السيارة المركونة علي جانبي أحد المنازل طرأ علي ذهن منصور صورة أخري مُفزعة وهي كيف لو ظن حضرة الصول أن المختبأ خلف السيارة هوالشاب المطارد وليس منصور عندها فزع منصور من مجرد هذا الهاجس لذا قرر أن يظهر وجهه من خلف السيارة حتي يراه الصول فلا يخطئه ويسرع بإطلاق النار عليه ومرت الأوقات متثاقلة وكانت كل ثانية تمر وكأنها سنة من قلق وخوف شديد حتي مر الصول بجواره وواصل مطاردته للشاب وعندما أصبح منصور خلف الشاب وخلف الصول أخذ يجري هو الآخر مسرعا كل يلوذ بالفرار من هذا الموقف العصيب ولكنه في تلك اللحظة بدأ إطلاق النار وسمع منصور صوت الرصاص الذي دوي في أذنيه محدثا فزعا شديداً ورأي الرصاص يصيب الشاب وتتناثر الدماء علي الطريق


ومسرعا لا يلوي علي شئ دخل منزله منصور مرتجف الجنان وكانت تلك لحظات من أفزع اللحظات التي شاهدها وهو مازال في سن الطفولة ولم يبلغ بعد مرحلة المراهقة ،


أن تكون شاهدا علي ضرب نار وعرضة لأن تكون هدفا لتلك الطلقات و لو علي طريق الخطأ موقف لا يُحسد عليه أحد


ولكن ماذا حدث لقد أخترقت الطلقة جنب الشاب وحين وصل إلي الناصية الثانية للحارة وقع علي باب محل للحلاقة ممرغا واجهتها وأرضيتها بالدماء ، تلك كانت قصة أول مرة يشاهد فيها منصور ضرب نار ومرت السنين الطويلة وعاش الشاب بعد ذلك وعاش الصول ولكن ماذا كان سبب الخناقة لا أحد يعرف علي وجه اليقين هل كان الشاب يعاكس ابنة الصول مثلا ربما وربما أشياء كثيرة أخري ولكن حضرة الصول سُرح من الشرطة وبعد فترة طويلة ذهب بصره ولقد رآه منصور بعد ذلك علي تلك الناصية التي كان يقف عليها شاهرا سلاحه علي رأس الشاب المصاب والغارق في دماءه ولكنه علي الجهة الأخري من الناصية ليست جهة محل الحلاقة بل جهة المسجد لقد كان يقف وهو واضعا نضارة سوداء علي عينيه يداري العمي الذي أصابه وسائلا الناس الصدقة والإحسان